Friday 18 January 2019

التفاؤل أسلوب حياة


في الواقع نحن نتألّم

 أعتبرُ نفسي متفائلة لأبعد الحدود، عقلي يشبه متصفح الانترنت الذي يحوي كثيراً من ال (tabs)لا يستقرّ على (tab)واحد، يقفز من  (tab)إلى آخر لا يعرف ماذا يريد على وجه التحديد؛ هل هي رسالة الماجستير التي تنتظر أن تُكْتَب، هل هي والدتي التي تضع آمالاً عليّ، هل هي نفسي التي لا طالما تنتظر اللحظة المناسبة، اللحظة الأكثر اتّساقاً وأصالة لاتّخاذ أيّ قرار، حتّى إن كان هذا القرار (صُنع كوب من القهوة، لا فأنا أمزح؛ لقد تجاوزت هذا النوع من المصاعب)، أم هي التظاهرات المستمرّة في الشوارع ومايصاحبها من قتل وقمع.

عقلي في حالة بحث دائمة عن توكيدات بأنّ كل شيءٍ سيكون على مايرام، بأنّ العالم جميل ومكانٌ صالح للعيش، حتّى إن كان كلّ شيءٍ يدلّ على العكس. هذا العقل دائماً ماينكر أنّ ثمّة شرّ ما خفيّ هنا وهناك، هذا العقل لا يريد أن يصدّق هذا الأمر. هذا العقل يريد أن يصدّق أنّ هناك شيء واحد: أنّ هناك خير في كلّ مكان.
مهما حاول من هم حولي لفت نظري لاحتماليّة الشر، أتصدّى لهم ب: "لا، ربما، لعلّ". إن حاول من هم حولي إقناعي بأنّ شيء عادل ما لن ينجح، أقول لهم: "لا، ربما، لعلّ". لا أريد أن أقتنع بأنّ هناك شرّ مطلق، أو أنّ هذا الشرّ مقدّر له الفوز. يفوز الشرّ فقط عندما تقلّ ثقتنا باحتماليّة فوز الخير. لربما من يقرأ حديثي  هذا عن الخير والشرّ، قد يظنّها سذاجة وطفوليّة حالمة، ولكنّي أراها وسيلة للنجاة في هذا السيل من الإحباط.

من الصعب عليّ جدّاً أن أرى جدوى للتعبير عن مشاعري، خاصّة مشاعر الحزن، أمّي تحدّثني عن شهداء يوم 17 من يناير وأنا أبدو غير مكترثة، مع أنّي لا أستطيع أن أغلق الفيسبوك لثانية واحدة، أراقب بشرود وتجرّد و (detachment) غريب. أعلم أنّ ما يحدث ظلم وليس عادلاً، متيقّنة تماماً من ذلك، حتّى ما أعيد نشره على فيسبوك فهو على سبيل أداء الواجب، هو على سبيل أضعف الإيمان.

توقفت للحظة عن تصفّح الفيسبوك، حاولت إغماض عينَيّ، وجدتني أفكر برجال ملثّمين يحاولون اقتحام بيتنا، يحاولون ضربنا أنا وأميّ، لكنّي كنت أقول لهم: "أعلم أنّكم لستم أشراراً، أعلم أنّ هناك إنساناً ما بداخلكم طالما انتظر الوقت للخروج".
وجدتني توقفت عن التفكير عن هذه الخيالات، عندها بدأ الدمع يسيل، لوحده دونما استجداء، علمتُ حينها أنّه دمع صادق، علمتُ أنّ مشاعري ليست متحجّرة، اطمأننت على إنسانيتي قليلاً وعدتُ مجدّداً لمنطقة التفاؤل الآمنة، عدتُ إلى حيث أنتمي.

17 يناير 2019
أم درمان

No comments:

Post a Comment