Thursday 23 August 2018

ذات مساء

سأكون أكثر تحدّياً، أكثر إصراراً وأكثر إيجابيّة. لن أسمح للمشاعر السلبيّة بالتحكّم بي، سأصبر، وسأقاوم كلّ فكرة سلبيّة تخطر ببالي بالوسائل الروحيّة والحسّيّة. جئت هذا العالم لهدف، لسبب، لفكرة. لم آتِ عبثاً ولن أذهب عبثاً. سأبحث عن هذا السبب، عن هذا المعنى، وعن هذه الفكرة. لن أستسلم إذا لم أجد أيّاً منها، لكن يكفيني شرفاً أنّني سأعيش وأنا أحاول. لن أبكي إن فقدت البوصلة أوضللت الطريق، بل سأستمتع بكلّ خطوة أخطوها حتّى وإن كانت خطوات تائهة وحائرة، سأخوض هذا الطريق لنهايته.
أنا أعلم أنّه طريق به كثير من المنعرجات الحادّة، لا يهمّني، فقد شددت عزمي، ووضّبت حقيبة ظهري، واخترت حذاءين  جيّدين ليساعداني على المسير. أعلم أنني سأتوقف كثيراً للتاكد من سلامة أدواتي وصلاحيتّها لإكمال هذا الطريق، أم  أنّه عليّ أن أبدّلها بأخرى أكثر نجاعة وأكثر مناسَبةٍ  للخطوات القادمة.
 كلّما تسلّل اليأس وذلك الحزن الخفيّ إلى داخلي، سأتذكّر ذلك وسأعود لقراءته. أكتب هذا وأنا أقرأ كتاباً قريباً إلى نفسي، وأشرب كوباّ طيّباً من القهوة وأنا جالسة في حديقة وأنظر للقمر الذي في طريقه للاكتمال. مايزيد الأمر جماليّة ويجعله حالماّ هو صوت الماء المندفع من نافورة اصطناعيّة بالقرب منّي، بالإضافة إلى موسيقى هادئة لآلات غريبة تصدر من سمّاعة هاتفي.


تُصبح الكتابة (المتواضعة) مملّة إن نحنُ أُجبِرنا على إكمال قدرٍ معيّن من الكلمات؛ لذا سأكتفي بهذا القدر     :)

Wednesday 22 August 2018

الكائن غير المؤذي

أن تموت الكائنات البريئة "غير المؤذية" وهي تقوم بفعلٍ غير موذٍ لأنها تريد أن تعيش بكرامة في هذه الدنيا، أن تموت بسبب الإهمال في السلامة وعدم الاكتراث من قبل الأشخاص أو الجماعات هو فقط ما قد يذكّرنا بفشلنا في رعايتهم ومنحهم القدر الكافي الذي استحقّوه من الاهتمام.
لا يعود الكائن "غير المؤذي" مهمّاً إلّا عندما يحدث أمر جلل له، لا تعود حياته مهمّة إلّا عندما يفقدها ولا يعود محط التقدير إلّا عندما يرحل عن هذه الدنيا.
المقولة التي أكرهها "الحذر لا ينجي من القدر" هي مقولة مستفزّة. من قال ذلك عليه أن يعيد حساباته، لطالما أنقذ الحذر والاحتياط الناس. ماذا عن الأخذ بالأسباب، لماذا دائما مانلوم القدر. الحذر قد ينجي من القدر بكل تأكيد، أو قد يخفف القدر، وفي حالات قليلة قد يحدث وأن يكون القدر أقوى من الأسباب، ولكن يجب أن نلوم أنفسنا عندما لا ناخذ بالأسباب.
ماذا يفعل هذا الكائن "غير المؤذي" لكي يحظى باهتمامك في حياته، ماذا تُراه يفعل لكي تأخذه على محمل الجد وهو مازال على قيد الحياة.
ماذا يمكن أن نستفيد من درس حادث غرق تلاميذ المدارس وكيف يمكن أن نعمّمه على طريقة تعاملنا مع كل شخصٍ "غير مؤذٍ" في هذا البلد صغيراً كان أم كبيراّ؟ علينا أن نلتفت حولنا قليلاً لنرى كم أنّ هؤلاء غير المؤذين موجودين بيننا وبكثرة، كم أنهم غيرُ ملاحظين كأن لا وجود لهم. لا تمنحوهم الحبّ والعاطفة فقط -لا أقول أنّ هذا غير مهم، بل هو في غاية الأهميّة- لكن امنحوهم أيضاً الاهتمام والرعاية، تأكّدوا من سلامتهم وسلامة بيئتهم وأمنهم، تأكدوا من حصولهم على حاجاتهم الاساسية، لا تجعلوا حياتهم صعبة وخطرة. قد يبدو هذا "كليشيه" ولكننا دائماً مانفشل في تحقيق هذا لهم لأنهم ببساطة "غير مؤذين".
أن يذهب الأطفال لمدارسهم في ظروف جويّة خطرة دون أدنى تأكّد من أهليّة المركب لإيصالهم الضفة الأخرى من النهر، لا يمكن أن يُلام عليه القدر فقط؛ بل هو نتيجة مباشرة لعدم أخذ سلامتهم كأولويّة من قبل منظومة تعليميّة. أن تتهدّم مدرسة على رؤوس أطفالها لا يمكن أن تُلام عليه الظروف الجويّة، ولا يمكن أن تتطلق عليه اسم كارثة طبيعيّة؛ بل هم استهتار متعمّد بحياة الأطفال. أن تصل رسالة كهذه لجيل الصغار بأنّ حياتهم غير محطّ عناية من قبل الكبار، قد يجعلهم يفقدون الثقة بنا، قد تصلهم رسالة غير مباشرة بانّ حياتهم ليست غالية وليست ذات اهميّة تذكر. سينوح عليهم الكبار لعدّة أيّام ثم ينسوهم ليعودوا إلى ماكانوا عليه، وتتكرّر المأساة مرّات ومرّات.
كلّ حادثة كهذه قد تغيّر شيئاً فينا، قد يعود وقد لا يعود كما كان. ولكن بكل تأكيد شعور الاطمئنان والضمان (إن كان موجوداً) لن يعود كما كان. السؤال الباقي هنا؛ إلى متى ستستمر هذه التغيّرات في التراكم ومتى ستبدأ في جعلك تتّخذ موقفاً عمليّاً تجاه كل ذلك.
الحكومة تتعامل معكم كأشخاصٍ "غير مؤذين"، لذا هي تأمن جانبكم وستستمر بفعل ماتقوم به. لا تقوموا بمعاملة بعضكم بهذا المبدأ، مبدأ "غير المؤذي، مأمون الجانب وردّ الفعل". عندما لا يعود "غير المؤذي" موجوداً، ويعود فقدانه أمراً معتاداً وطبيعيّاً هذا يعني أنّنا نفقد إنسانيتنا، هذا إن لم نكن فقدناها من الأصل.
قد لا يعيد الحزن والرثاء أيّ شخصٍ "غير مؤذٍ" فقدناه، ولكن لا يجب أن نعود لسابق عهدنا باللامبالاة بوجوده والتعامل معه كشيءٍ مفروغ منه وعاديّ.
مبدأ "عدم الإيذاء" لايعني ضعف التأثير، ولكنه يعني أن يتم تجاهل وجودك ونسيانه والتعامل معه بلا مبالاة؛ لا لشيءٍ إلا أنّ الشخص "غير المؤذي" لا يستخدم أو ليس لديه الأدوات التقليديّة لإثبات وجوده وجذب الانتباه إلى قدراته التي تجعله ذا أهميّة من قبل مجتمع ما. لذا يقّرر الناس تجاهله؛ ظنّاً منهم أنّه غير ذي تأثير، ليكتشفوا بعد فقدانه أنهم هم التافهون وقليلو التأثير وأنّهم لا يمكن التعويل عليهم كثيراً.

انتهى

2018\08\17