Monday 26 September 2016

لم يُقل عبثاً



يُقال أنّ النجاح و التميّز في الحياة أو مايسمّونه التفرّد و العطاء كما يطلق عليه في كتب التنمية البشريّة لا يولد إلّا من رحم المعاناة والإخفاقات والمحاولات الفاشلة، لذلك اخترنا أنّ نؤمن بهذا لطول أمل عندنا أو ربما يقين و إيمان نابع من تجارب سابقة كللها النجاح، جعلتنا نختار أن نؤمن بأن هذا لم يُقل عبثاً؛ و إنمّا كُتِب، وعن تجربة. بل إنّ هذا عصارة تجارب أكثر الناس نجاحاً. ربما أيضاً اخترنا أن نؤمن بهذا لشعور غير واعٍ لدينا بأن لابد أن يكون هناك محصّلة عادلة لجهد ما.
لكن هناك و رغم كل هذا الإيمان لحظات شكّ تساورك، تنغص نومك وتقض مضجعك، تجعلك خائفاً من مقبل الأيام، لا تعرف إن كانت مساعيك ومحاولاتك ستوصلك إلى ما تريد أم لا. هل عليك أن تستسلم للتيار وتدع ما فُرض عليك يحدّد مسارك. هل تستسلم للفرص السهلة التي لا تلبّي طموحاتك الشخصيّة لمجرّد أنّها قد لا تتكرر، أو تشكّك في نجاحك في تحقيق حلم قد طال تأجيله. هل يمكن لكل هذه القصص الملهمة أن تكون مجرّد تجارب فرديّة و ليست قاعدة يمكن العمل بها، هل يمكن لمعاناتهم وماتحملوه من مآسي و آلام قد تُوِّجت بنجاح لكونهم مختلفون ولا يمكن تكرارهم. هل يمكن لشخصي المتواضع والضئيل أن يحتذي بهم وأن يتفاءل بأنَّ سعيه سيُرى.
قد يدفعك التشاؤم أو ربّما لعلّها الواقعيّة إلى أن تعتقد أنّ الطموح والأحلام كلّها كماليات وأنّها قد خلقت لأشخاص معيّنين، وأن هناك قليلون في العالم استطاعوا تحقيقها لاعتبارات تتعلق بكونهم مميزين جدّاً، فريدين من نوعهم، لا يعرفون لليأس طريقاّ، أو ربما محظوظين (رغم كرهي وعدم اقتناعي بهذا السبب).
تشعر أحياناً بأنّك تبالغ في تقدير قدراتك و إمكانياتك، وتبدأ في إقناع نفسك تحت تأثير هذه العوامل الخارجيّة_التي بالطبع أنت سبب كبير في تعرضك لها_ تبدأ في إقناع نفسك بأنّك لست بهذه الأهميّة التي تضعها لنفسك وأنّ عليك أن تقنع بما لديك وأن تنتهز الفرص السّهلة والمضمونة لعيش حياة قد يعتقدها الآخرون مُرضية بل وأكثر من مُرضية.
عليك أن تنسى أحلام طفولتك، عليك أن تنسى ما تعلّمته من برنامج الطفولة المفضّل "شمّا في البراري الخضراء Anne of Green Gables" ، عليك أن تنسى كل تلك القصص الرّائعة عن أولئك الأشخاص الرائعين "الأسطوريين"، انسَ كل ذلك فكله كان وهماً، و اقنع بما تقدّمه لك الحياة وانسَ أمر الأحلام والطموحات.
ولكن لا، لا يمكن أن يكون هذا عادلاً، ماذا عنك، ماذا عن إرادتك، ماذا عن مقاومتك لهكذا أفكار، ما رأيك أن تعود لقاعدة طالما آمنت بها:
"يمكن لأي إنسان أن يحقق ما يريد، مادام أنّه يريده بقوّة ويسعى إليه بكل حواسه"
إنّها قاعدة جميلة وقد تبدو لطيفة وأحياناً كثيرة مثاليّة جدّاً، لكنّها ليست مستحيلة لكنّها تحتاج أن تتخلى عن منطقتك الآمنة، كما تحتاج الكثير و الكثير من الصبر و قليل من استعداد لتضحية.