Friday 2 March 2018

موقفٌ أخلاقيٌّ

في هذا العالم أن تحمل فكرة هو مشكلة، أن تؤمن بمبدأ هوأيضاً مشكلة، وأن تدافع عن هذا المبدأ وهذه الفكرة فهو مشكلة المشاكل. في عالم يدفعك أن تتلون بلونه، أن تقمع شخصيّتك ليتم قبولك. المشكلة لم تعد في القبول فقط، عدم القبول مقدور عليه وعلاجه سهل. الأمر يتجاوز ذلك إلى ممارسة العنف المادي وغير المادي متمثّلا في تجريدك من حقك في التعبير وظلمك. يحاولون تدجينك وجعلك مائعا، تحمل شعارا لا تعمل به، ومُثُلا لا حيّز لها من الواقع، وآراء فضفاضة هلاميّة مترهّلة تُعامَل بمثاليّة حالمة لا سبيل لممارستها عمليّا.
الحياة قاسية وغير عادلة، لا بل البشرقساة وغير مبالين بالعدل، يتلذذون في إذلال بعضهم البعض لإرضاء غرور السلطة وشعور القوة بداخلهم. تصبح العلاقات مع هذه الحقيقة مادّيّة جدّاً، أنانيّة ولا تخضع لأبسط المشاعر الانسانيّة الحقيقيّة التي يحملها الإنسان لأخيه الإنسان، ولا تخضع على الأقل للشعارات الرنّاتة التي يُتَغنَّى بها.
الاختلاف عمّا هو سائد يُشعل جذوة هذا التعطُّش عند هؤلاء للتباهي بالقوّة و افتراس أيّ قاصية عن الغنم. أمّا الآخرون فيتم الضغط عليهم بنفس الوسيلة لكي يسكتوا ولا يحاولوا إنقاذ القاصية. يراقبونها من بعيد وهي تُفتَرَس ببطء، بعضهم يحزن قليلاَ ثمّ ينسى ماحدث ويحاول تجنّب مصيرها، وبعضهم الآخر يناقض نفسه بين شعوره بضرورة إيقاف هذه الدائرة الشريرة وفعل شيء ما بدل الوقوف بلا حراك وبين خوفه على نفسه وأنانيّته المفرطة. يبقى هذا الاخير يحاول تبرير سكوته وانسحابيته بالظروف وقلّة الحيلة، في ذات الوقت يحاول إسكات صوت ضميره الذي يناديه لاتّخاذ موقف. حتّى في أسبابه التي تدعوه لاتّخاذ موقف يقع في نفس المأزق الأخلاقيّ السابق، حيث يجد نفسه يحاول أن يعرف أسباب رغبته في اتّخاذ موقف في ذاك الشأن، أهو بدافع الانتصار للحقيقة وإعادة حقّ القاصية المنتهك ولو معنويّاَ، أم هو بدافع أن تبرىء نفسك وتريح ضميرك وأن تجعل صورتك ناصعة أمام نفسك فقط وهو بالتالي أيضاَ دافع أنانيٌّ  جدّاً.
خلاصة الأمر، أن تجد نفسك صامتاّ أو مجبراً على الصمت لهو أمرٌ محزنٌ جدّا بمعنى الكلمة، لكنّه بات وبلا شكّ جزء من وجه هذا العالم القبيح. أن تجد نفسك صامتاً في الوقت الذي يجدر بك قول كلمة الحقّ يعني باانسبة لك أنّك ودعت طفولتك وبراءتك بلا عودة، هل سرقوا منك طفولتك وأعطوك بدلاً منها شيئاً آخر رغبت به؟ هذا سؤالٌ لم تتضح إجابته إلى الآن.

لا أظن أنهم قادرون على تغيير صوتك الدّاخلي، ربّما نجحوا في إسكات فمك وترويض رغبتك في النقاش ومحاولة معرفة الأسباب ولكنّهم لم ينجحوا في إسكات صوت ضميرك الذي يقول بصوت عالٍ جدّاً: "كم خاب أملي".